صحيفة ووكالة
الإخبارية المستقلة
الأحد 2025/12/7 توقيت بغداد
معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين
ما بعد الصدمة ..أمل محمد


المشاهدات 1172
تاريخ الإضافة 2025/10/27 - 8:41 AM
آخر تحديث 2025/12/06 - 10:12 PM

ما بعد الصدمة

أمل محمد

كاتبة مصرية

في الدنيا كما يوجد سعادة فهناك أحزان والخسارة جزء لا يتجزء من رحلة الحياة، فهي سنة كونية يمر بها كل إنسان بشكلٍ أو بآخر. وتتعدد صور الخسارة؛ فقد تكون خسارة وظيفة أو مال، أو فراق شخصٍ عزيز، أو حتى فقدان الصحة أو أحد الأطراف. ومع كل نوع من هذه الخسائر، يهتز توازن الإنسان النفسي والعاطفي، ويحتاج إلى وقت وفهمٍ عميق ليستعيد قوته من جديد. والخسارة تعني هنا فقدان شيء ذي قيمة نفسية أو مادية لدى الإنسان، ينتج عنها شعور بالحزن أو العجز أو الفراغ. وهي ليست دائمًا مادية، فقد يخسر المرء علاقات، أو أحلامًا، أو فرصًا كان يأمل تحقيقها فالخسارة جزء من امتحان الله للمؤمنين وفي قدرتهم على الرضا قال الله تعالى:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155)

وتتنوع  الخسارة ما بين الخسارة المادية: كفقدان المال أو الوظيفة أو الممتلكات، والخسارة العاطفية: مثل فراق شخصٍ عزيز أو فقدان علاقة قوية و الخسارة الجسدية: كفقدان أحد الأطراف أو التعرض لمرض مزمن، وهناك الخسارة المعنوية: كضياع فرصة أو فشلٍ في تحقيق حلم.. وهنا يواجه الانسان مراحل ما بعد الصدمة وتبدأ بالصدمة والإنكار: حيث يرفض العقل تصديق ما حدث ثم  الغضب حيث يبدأ الشخص في التساؤل "لماذا أنا؟". يليها الحزن العميق والاكتئاب: وهنا يشعر فيها الإنسان بثقلٍ كبير ويميل إلى العزلة، ثم ينتقل إلى القبول والتأقلم: وهي المرحلة التي يبدأ فيها الشخص باستيعاب الواقع.

 كيف نتعامل مع الخسارة؟ ولان الخسارة كما قلنا أمر وارد في الحياة فلا بد من الاعتراف بالمشاعر وعدم كبتها ولنا في رسول الله  ﷺ عندما قال عند وفاة ابنه إبراهيم: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (رواه البخاري) وبعد الاعتراف يأتي  الصبر والاحتساب ولنذكر دائما قول الله  تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وبعد القبول والاعتراف يأتي إعادة بناء الذات فلا بد من  تحويل الخسارة إلى دافع للنهوض والتعلّم من التجربة.

لكي يمكن النهوض من صدمة الخسارة فلا بد من التقرّب إلى الله: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28). وأيضا الدعم النفسي والاجتماعي سواء من خلال الحديث مع الأهل أو الأصدقاء أو المختصين فهذا يساعد على التخفيف من الألم.. عزيزي القارئ تذكر أن  ما بعد الخسارة – بداية جديدة وان الشفاء من الألم لا يعني النسيان، بل التصالح مع الواقع. فالخسارة ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة مليئة بالنضج والوعي. . يقول الشاعر:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *فرُجت وكنت أظنها لا تُفرجُ* والخسارة امتحان إلهي يكشف مدى قوة الإيمان وعمق الصبر. فالحياة لا تخلو من الألم، لكن الله وعد بأن مع العسر يسرا، وأن الفرج قريب لمن أحسن الظن به. وليترسخ دائما في قلوبنا قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.


تابعنا على
تصميم وتطوير