تصريحات ترامب بين المناورة والتسوية الشاملة
د. خالد قنديل
عضو مجلس الشيوخ المصري
في خطوة جديدة على مستوى التصريحات المتضاربة، أعلن الرئيس الأمريكي العائد ترامب بأنه لا أحد من سكان غزة سيُجبر على مغادرتها، وهو التأكيد الثاني حول هذه الفكرة العبثية، بعد مواقف سابقة وعد فيها نتنياهو بتهجير أبناء غزة كجزء من تسوية سياسية بدت كأنها صفقة تجارية لرجل عقار.
هذا التراجع في الموقف من قبل الرئيس الأمريكي الذي جدد تأكيد ولاءه وانحيازه للكيان المحتل، يشير إلى قراءات مهمة بالقياس إلى الأحداث الجارية، منها قيمة الجهود المصرية المكثفة والاتصالات الرفيعة، في سياق عام هو تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي بالمنطقة، وهو ما أشاد به المبعوث الأمريكي ستيف ويتكون، حيث يعي خطورة ارتباك المصالح الأمريكية مع الدول العربية، التي عقدت اجتماعات رسمية وغير رسمية، للتحرك بخطوات ما بعد رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والتمسك بمحددات تحقيق السلام بالحق التاريخي للفلسطينيين في وطن مستقل ودولتهم التي عاصمتها القدس الشرقية، بل وتقديم كل الأطروحات الممكنة لإعادة إعمار غزة، بما يعني أن فكرة التهجير ليست فقط مرفوضة، بل ليست مطروحة على طاولات النقاش العربية، لكن السعي الحقيقي وراء فرض رؤى تضمن إعادة إعمار القطاع المنكوب، بعد حرب غاشمة بدعم أمريكي واضح بالمال والسلاح وبموقف سياسي متخاذل، ارتكب فيها الكيان المحتل خلال نحو عام ونصف إبادة جماعية، خلفت أكثر من مائة وستين ألف شهيد وجريح أغلبهم من الأطفال والنساء، فضلًا عما يزيد على عشرات الآلاف من المفقودين.
وما يحدث على أرض الواقع يشير إلى أحد أمرين، إما أن تصريحات الرئيس الأمريكي، ليست سوى مراوغة جديدة، أو أن هناك تضاربًا في المواقف بين الإدارة الأمريكية والاحتلال الذي يسعى لفرض رؤية التهجير باستمرار العمليات على الجبهات المختلفة في غزة، إضافة للحرب في الضفة الغربية، وقد كشف سموتريتش وزير مالية الاحتلال في الكنيست، أن هناك مجموعات ضغط برلمانية تشكلت لدفع إدارة ترامب إلى إنفاذ خطة التهجير لسكان غزة بالكامل والاستيلاء على أراضيهم توازيًا مع المشروع الاستيطاني الضخم المستمر بالضفة الغربية، بل إنه أكد بأن الخطة الموضوعة تشمل تهجير خمسة آلاف فلسطيني بشكل يومي لمدة عام كامل أو تهجير عشرة آلاف يوميًا خلال ستة أشهر، ما يؤدي إلى ترحيل ما يزيد على مليون فلسطيني، أي نحو ما يقرب من ثلثي السكان في القطاع.
ومع استمرار عمليات القصف خصوصًا في رفح وحي الزيتون، أي الخرق الواضح لاتفاقية وقف إطلاق النار وتسليم الرهائن الذي التزمت به حماس، بينما يسعى نتنياهو ووزراء حكومته إلى مزيد من الضغط الأمريكي والعربي لنزع سلاح حماس، وفقًا لخطة طويلة المدى، حتى بالرغم من المفاوضات التي جرت بين الحركة والكيان، والتي يرى مراقبون أنها تأثرت بعد تصريحات ترامب حول إسقاط فكرة التهجير من الحسابات، بل تتيح فرصة لإعادة تقييم الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة، وتحفيز طرح خطة التهجير مجددًا، بينما يُواجَه هذا التضارب في المواقف بين إسرائيل والإدارة الأمريكية بموقف مصري وعربي موحد، في اتجاه إيجابي تعليقًا على ما بعد الحرب من عودة الفلسطينيين إلى أرضهم والسعي الجاد لإعادة إعمار القطاع، والثناء مؤخرًا على التصريحات الأخيرة لترامب، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع مايكل مارتن رئيس وزراء أيرلندا في البيت الأبيض حول عدم السماح بتهجير أي فلسطيني من غزة، مع الوضع في الاعتبار بأن أيرلندا كانت أبرز دول الغرب التي ساندت القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي والشعبي ورفضت بشكل قاطع المجازر والإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون.
جاء هذا التصريح من قبل ترامب ليتماشى مع التحرك المصري والعربي باتجاه تسوية سياسية عادلة، بناء على هذا التوجه الإيجابي، مع الأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه المناورات ووسط خرق الهدنة من قبل الاحتلال: هل تصريحات ترامب مناورة سياسية وصفقة جديدة لضمان عدم تهديد المصالح مع دول المنطقة، أما أنها توجه فعلي باتجاه تسوية شاملة تسمح بالتراجع عن فكرة التهجير بشكل قطعي وكذا التراجع عن إنهاء دور حماس تمامًا في الأراضي الفلسطينية؟ هذا ما يكشف عنه قادم الأيام.