في المرآة
فضل أيام ذي الحجة المباركة
يحيى الزيدي
موسماً عظيماً يعيشه المسلمون في بقاع الأرض قاطبة، في هذه الأيام العظيمة والمباركة ..التي رفع الله شأنها، وأعلى مكانها، وميزها على بقية أيام العام، ألا وهي أيام العشر من ذي الحجة.
هذه الأيام المباركة التي اختصها الله سبحانه وتعالى بمزيد من الشرف والكرامة، وجعلها ميداناً للمنافسة في الخيرات، وموسماً عظيماً للتجارة الرابحة مع الله.
أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم تنويها بشرفها وعظم شأنها فقال سبحانه: {والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر} (الفجر:1-3)، إنها عشر ذي الحجة.
هي الأيام المعلومات التي قال الله تعالى عنها: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}. (الحج28،27).
نعم ..لقد حظيت عشر ذي الحجة بهذه المكانة والمنزلة لاجتماع أمهات العبادة فيها وهي:( الصلاة والصيام والصدقة والحج) ولا يأتى ذلك في غيرها.
عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) .
وفي هذه الأيام أيضاً (يوم النحر)، الذي هو أعظم الأيام عند الله.. قال صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيام عند الله تعالى، يوم النحر، ثم يوم القرّ).
ويوم القرّ: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، أي اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، لأن الناس يستقرون فيه بمِنى بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر واستراحوا.
أما صوم يوم عرفة، فانه سنة مؤكدة لغير الحاج، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ( يكفر السنة الماضية والباقية) ،أما الحاج فلا يُستحب له الصيام ليتقوى على الدعاء في عرفات.
ومن الأعمال أيضاً (الأضحية)، وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، بل إن من العلماء من قال بوجوبها وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام بالإضافة إلى ما ذكر، منها: قراءة القرآن وتعلمه، والإستغفار، وبر الوالدين والدعاء لهما، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج الإخوان والدعاء لهم بظهر الغيب ، والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أقول.. دعونا في هذه الأيام أن نخرج من طوقِ العادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، ونطرق باباً قد نكون غفلنا عنه أو نسيناه في وقتٍ ما، ألا وهو «باب الأيتام والمساكين والفقراء والمدقعين من الجوع»، هذه الشريحة التي كثرت في بلداننا العربية والإسلامية لأسبابٍ عديدة لا نريد الولوجَ بها ، لأن الجميع يعرف مايحصل فيها من حروب داخلية وخارجية، وخلافات سياسية، أدت الى ظهور أزمات مالية وسياسية في العديد من البلدان.
هنا لابدّ أن نذكرَ بقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما.
وقالَ عليه الصلاة والسلام: «مَن مسَحَ رأسَ يتيمٍ، لَمْ يمسَحْهُ إلَّا للَّهِ، كانَ لهُ بكلِّ شعرةٍ تَمَسُّ عليْها يدُهُ حسناتٌ».
شريحة «الأيتام والمساكين والفقراء» كثرت في بلداننا، لنتفقدهم، ونتكفل قبل العيد وبعده بقوتهم وكسوتهم، وإعانتهم قدر المُستطاع كما نفعل مع عوائلنا.
لنصل إليهم، ونمدّ لهم يد العون، مصطحبين معنا كل ما يسرّهم، من العيديّة، والطعام، ولحوم الأضاحي والهدايا، لكي نزرع البسمةَ على وجوههم، ونشعرهم بقربهم منا.
وفي الختام ..نرفع أكفّنا إلى الله أن يكشف هذه الغمة عن الأمة عامة، وعن أهل غزّة خاصة، الذين تتفاقم معاناتهم تحت وطأة الحرب العدوانية الصهيونية عليهم والمستمرة منذ 19 شهراً،ونسأله سبحانه وتعالى ان يحفظ بلادنا العراق من كل سوء ومكروه، وجميع بلدان المسلمين، انه ولي ذلك والقادر عليه.