قبس من الاعلام النبوي ...
د. عبد الهادي محمود الزيدي
المتأملون في سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- ونحن نعيش أيام مولده المبارك يلاحظون الكثير من الصور والمواقف الإعلامية التي شكلت وما زالت نماذج ناصعة في طريق الاعلام الهادف، فعمله –صلى الله عليه وسلم- بمبدأ كون الإعلام والمعرفة حق لكل الناس، وهو ما يسمى في الإعلام بحق الاتصال ، فنجد في سنته الشريفة تكافؤ الفرص والمساواة في أكمل صورها , مقرراً أن الناس سواسية في الحقوق والمسؤوليات الإعلامية وغيرها، فقال –صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس، إنما ضلَّ من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيفُ فيهم أقاموا عليه الحد... "، أي أن معيار التفاضل هو التقوى , وهي ثمرة العمل الصالح , وهكذا صان الإسلام مبدأ المساواة والعدل بين الجميع , ثم ترك الباب مفتوحا أمام كل فرد , للتفاضل بجهده ونتاج عمله وثمرة سعيه وخبرته.
ويعدُ الصدق من الأسس الاخلاقية المهمة في العمل الاعلامي، والصدق سمة من سمات القرآن في الرسالة والدعوة الإسلامية، كما أنه سمة رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً وداعية، وسمة المجتمع الإسلامي الأمين الحريص على الدعوة الإسلامية ، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أُرسل للناس كافة بالحق مصدقاً لما بين يديه من سابق الرسالات الأخرى، فالإسلام منهج حياة متكامل، ونظرته الإعلامية تتوخى الصدق وتتحرى الحق سواء في الأخبار أو في السلوك، وحتى في النوايا، فلا بد من إخلاص النية لسلامة العمل.
وكانت واقعيته –صلى الله عليه وسلم- في الخطاب واضحة، والواقعية لا تستقر أحكامها ولا تضبط قواعدها إلا بملاحظة المصالح المطلقة، ولابد أن تكون بعيدة عن الأغراض والأهواء، والواقعية في الإعلام النبوي، هي إحدى الخصائص العامة للإسلام، أو إحدى خصائص الفقه الإسلامي الذي تنتمي إليه النظرة الإسلامية في الإعلام، ورؤية الواقع من المنظور الإسلامي، هي شرط مهم في الإعلام الإسلامي؛ وذلك لكي ينير الواقع ويقوم بتغييره، ليتطابق المجتمع في واقعه مع الإسلام وسلوكه.
عالميته في الدعوة وإنسانيته –صلى الله عليه وسلم- المستمدة من عالمية الإسلام ومخاطبته الإنسانية جمعاء، ويمثل هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الاتصال معياراً لعالمية الإعلام غير معيار القدرة على الانتشار , ألا وهو معيار الاهتمام بالإنسانية جمعاء انطلاقا من عالمية الإسلام , فقد جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة العامة منذ البداية, فهو يخاطب المجتمع عامة بصورة معلنة واضحة جلية ولا يتخذ من سرية الخطاب وتخصيصه لفئة من الناس صفة له على الاطلاق.
ويمثل إيمانه –صلى الله عليه وسلم- بحرية المتلقي ومسؤوليته بتحمل ما يختار، مثالاً لمدى التلازم بين الحرية في الرؤية الإسلامية وبين المسؤولية الإعلامية , إذ الحرية في الإسلام ليست إلزامية مفروضة على الذات الإنسانية, وإنما هي تنبع من داخل الإنسان المؤمن , وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- من شروط المواطنة الحقة للمسلم وانضمامه إلى المجتمع الآمن قول الحق والمجاهرة به سعياً لإحقاقه في المجتمع، بل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآى ترك المسلم الإدلاء برأيه، إذا كان حقا، امرأ محتقراً، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يحقّرّن أحدكم نفسه، قالوا يا رسول الله، وكيف يحقر أحدنا نفسه، قال يرى أنه عليه مقالاً ثم لا يقول به، فيقول الله عز وجل يوم القيامة، ما منعك أن تقول في كذا وكذا، فيقول: خشية الناس، فيقول فإياي كنت أحق أن تخشى) إذ يفهم من كلماته النيرة هذه الحرية الاعلامية في أوسع أبوابها ، على أن تكون حرية منضبطة واعية.