رصيف الكلمات
د. عبد الهادي محمود الزيدي
شهر رمضان والأسرة...
من منطلق قوله –صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) فإن للأسرة المسلمة في شهر رمضان شان آخر، فهي فرصة ثمينة لاستغلال ساعاته في الطاعات والقربات لله تعالى، فعلى للأبوين واجب لا بد له منه، هو حسن رعايتهم وتربيتهم، وحثهم على أبواب الخير، في هذه الأيام المباركة، إذ لا بد أن يكون للأب والأم دور في استغلال هذا الأمر، بأمور عدة، منها: متابعة صيام الأولاد والحث عليه لمن قصَّر منهم في حقه، و تذكيرهم بحقيقة الصيام، وأنه ليس فقط ترك الطعام والشراب، وإنما هو طريق لتحصيل التقوى، وأنه مناسبة لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، وتعليمهم آداب وأحكام الطعام من حيث الأكل باليمين ومما يليهم، وتذكيرهم بتحريم الإسراف وضرره على أجسادهم، وكذلك منعهم من الإسراف في تناول الإفطار بحيث تفوتهم صلاة الجماعة، ومن ذلك: التذكير بحال الفقراء والمعدمين ممن لا يجدون لقمة يقتاتون عليها، والتذكير بحال المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله في كل مكان.
كما إن في الاجتماعات الاسرية الرمضانية مناسبة للقاء الأقرباء وصلة الأرحام، وما زالت هذه العادة موجودة في الكثير من البلدان، فهي فرصة للمصالحة وصلة الرحم المقطوعة، ولا يخفى على أحد ما في ذلك من خير عميم، وأجر جزيل، ومن باب اسهام الاسرة في التعاون والتآلف: إعانة الأم في إعداد المائدة وتجهيزها، وكذا في رفع المائدة وحفظ الطعام الصالح للأكل، ففي التبذير إضاعة للأموال وسخط لله تعالى بعدم حفظ النعمة.
ومن واجبات الأبوين في رمضان تجاه أسرهم، تذكير الأولاد بصلاة القيام والاستعداد لها بالتقليل من الطعام وبالتجهز قبل وقت كافٍ لأدائها في المسجد بالنسبة لصلاة التراويح خاصة، وبالنسبة للسحور يُذكِّر الأبوان أولادهم ببركة السحور وأنه يقوي الإنسان على الصيام، إضافة الى كونه طاعة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم-
وكذلك الاهتمام بصلاة الفجر في وقتها جماعة في المسجد للمكلفين بها، وقد رأينا كثيرًا من الناس يستيقظون آخر الليل لتناول الطعام ثم يرجعون إلى نومهم تاركين صلاة الفجر، وقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر أنه "يحيي ليله ويوقظ أهله"، وفي هذا دلالة على أن الأسرة يجب أن تهتم باستغلال هذه الأوقات المباركة فيما يرضي الله عز وجل، فعلى الزوج أن يوقظ زوجته وأولاده للقيام بما يقربهم الى الله تعالى، وقد يوجد في البيت أولاد صغار وهم بحاجة للتشجيع على الصيام، فعلى الأبوين أن يشجعانهم على السحور، وعلى الصيام بالثناء والجوائز لمن أتم صيام الشهر أو نصفه، وغيرها من الواجبات الرمضانية الطيبة.
وفي ذلك لا ننسى قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وبذلك كله تكون أيام شهر رمضان مدرسة متكاملة لإعادة النظر في أسلوب حياتنا، وتجديد ما تآكل منها طمعاً في الحصول على الحيوية والاقبال على الحياة وطاعة الله تعالى على علم وبصيرة، وهذا هو المطلوب.