بين الخيانة والأمانة فرق شاسع، كالفرق بين الصحراء والبحر، فتلك ترتبط بالموت والضياع والمصير المجهول، واللفظة الأخرى تحمل الكثير من معاني الحياة التي لا يمكن أن يستغني عنها احد.

وإذا تبادر إلى ذهنك مفهوم الخيانة، أو ما شابهها مما قد يحدث في الحياة الزوجية ، فلك العذر كله لشيوع معناها واتفاقنا على إنها بعيدة عن كل مؤمن ومؤمنة يخافان الله تعالى، إلا إن ما نغفل عنه هو خيانة المبدأ وخيانة الفكرة وخيانة الضمير الذي وثق بك وسلمك أشياء أخرى ربما هي أغلى

من النفس ذاتها، يؤكد ما نذهب إليه القرآن الكريم:

(( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ )) / التحريم- 10

وقد اتفق المفسرون على إن الخيانة الزوجية الشائعة ليست هي المقصودة هنا لعدم جواز ذلك في حق الأنبياء –عليهم السلام- بل المقصود هو إن هاتين الزوجتين لم تخلصا نيتهما وعملهما وعقيدتهما لهذين الزوجين الكريمين، وإذا أردنا أن نكون منصفين أو قريبين من ذلك: نقول إن هذا المرض الذي ينخر الحياة المشتركة بين اخوين أو أختين ، أو صديقين أو زوجين، هو خيانة لا تقل خطورة عن أية خيانة قد نتخيلها...

أختان كلفت إحداهما الأخرى أن تلفت نظر –فلان- قريبهما بطريقة مؤدبة إنها ترغب بالارتباط به- شرعاً- إذا رغب هو بذلك بعد أن رأته إنسانا جديرا بثقتها، ومرت الأيام والأولى تحلم إن صخرة الوقت قريبا ما تصبح تفاحة، لكنها فوجئت بعد فترة انه خطب أختها بعد أن لفتت أنظاره

لمصلحتها لا إلى من أمنتها على سرها وأفكارها، أليست هذه خيانة متفق عليها؟

وصديقان ممن تحتفظ بصورتهما ذاكرتي سافرا معا لطلب العمل في دولة خليجية، كان الأول يعرف شخصا له علاقات مهمة في ذلك البلد فاخذ منه رسالة توصية إلى من يثق بهم هناك، ولما كانت حقيبة صديقه أفضل وأحكم من حقيبته أعطى الرسالة المهمة إلى صديقه آملا استعادتها

هناك، وفي اللحظة الحاسمة حين وصلا ذلك البلد أنكر الثاني رسالة صديقه وذهب خلسة إلى الشخص المخاطب بالرسالة، وسرعان ما حصل على عمل كان يفترض أن يحصل عليه صديقه، وهل هناك من يختلف معنا في إن هذا الفعل خيانة كبيرة؟

وفي الحياة الزوجية لا يمكن أن نقول إن الزوجين متطابقين تماما فكل منهما له ما يرغب به أو يحبه أو يكرهه بمعزل عن الآخر، والخيانة هنا حين يدّعي الرجل انه ابتعد أو امتنع عن فعل ما ليس في الامتناع عنه مخالفة للشرع أو العرف بينما هو لم يفعل ذلك واستمر في خداع زوجته،

وكذلك المرأة حين تكيد لسنوات أو لأيام - لا فرق في ذلك – للوصول إلى هدف أو غاية تخالف ما يريده زوجها ، أو ربما زينت لزوجها إن هدفها لا يخالف ما يريده هو ، حتى إذا انهمر الصقيع اتضحت المكيدة وظهر الخداع في ثوب الخيانة.

نعم إن الأمانة ثقيلة وقد نأت الجبال بنفسها عن حملها ، وحملها الإنسان متحدياَ مشاعره وهواجسه، أمانة العبادة وأمانة الدعوة إلى الله وأمانة أن نكون بشراً نليق ببشريتنا كما يريدها الله تعالى، ولكنها لذيذة ليس في الحياة ألذ منها، فلنذق طعم الأمانة إذن في حياتنا كلها وننبذ طعم الخيانة الذي لا يليق بأي بشر له ذوق وأصالة.