عامان من وجه غزة المشرق
د. عبد الهادي الزيدي
عامان مضيا من عمر الدنيا، سجلت فيه غزة قصصاً وصمودا كوشم على وجه الزمن وبطريقة من يخشى الله تعالى ومن يقاوم احتلال وحشي لا نظير له قديما وحديثا للحصول على الاستقرار والأمن والسلام على أرض فلسطين العربية المسلمة.
وفي الجانب الآخر خسر فيه المحتل الاسرائيلي الكثير جدا من مكانته التي كان يخدع بها العالم، وعلى حين غفلة من الزمن استيقظ العالم كله على حقائق مذهلة: ان جراح أهل غزة حقيقية ومؤلمة وان دموع المحتل الاسرائيلي مجرد دموع تماسيح يخدع بها الناس في الاعلام والسياسة والفكر... وقد أيّد اتجاه الصحوة العالمية هذا أكثر من 70% من الديمقراطيين والمستقلين في الكونغرس الامريكي، فقد اظهروا نظرة إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 37% بين الجمهوريين ومؤيديهم ممن يرون الحق مع الصهاينة المحتلين، بحسب ما أوردته صحفا عالمية نقلًا عن نتائج استطلاع اجري مؤخراً، وفي الحقيقة هذا لم يكن يحدث لولا صدق النوايا وصدق الجهاد وصدق الخطاب الذي امتازت به المقاومة الفلسطينية. بل لقد أكدت الآراء الشعبية حول الحكومة والشعب الإسرائيلي تراجعا واضحاً خلال العام الجاري 2025، فقد ارتفعت نسبة من يحملون نظرة سلبية للقادة الإسرائيليين إلى 59%، فيما وصلت النظرة السلبية للإسرائيليين بشكل عام إلى 38%، بزيادة قدرها ثماني نقاط مئوية في كلا الحالتين مقارنة بالعام الماضي 2024، وهذا قمة الفشل في السردية الاسرائيلية التي تعتمد الكذب وتزوير الحقائق في خطابها الاعلامي والسياسي الموجه لجمهورها وللعالم.
أن القلب الصادق والضمير الحي، الذي احيته غزة في مشارق الارض ومغاربها هو هذا الاصطفاف الشعبي العالمي مع أهل غزة في معظم دول العالم رافضين الابادة الجماعية والمجاعة الوحشية التي تعمل من خلالها اسرائيل لإذلال شعب صاحب حق لمجرد انه طالب بحقه في الحياة الحرة الكريمة على أرضه، فرغم آلة الحرب الاسرائيلية الفتاكة صحى العالم على حقيقة الجلاد الذي يدعي الصدق وعلى الضحية التي بُح صوتها من البكاء والصراخ، فالجلاد الاسرائيلي ينفق ما يتجاوز 912 مليون دولار كل ثلاثة أيام في هذه الحرب المدمرة لتمزيق شعب غزة ومقاومتها الباسلة، ويتشتت هذا المبلغ الضخم وغيره مدعوما بالطبع من دول غربية مختلفة، في تكاليف الطائرات الحربية، وصواريخ الأرض - ارض، وصواريخ الطائرات المعتادة والمسيرة، اضافة الى استهلاك الذخائر والصواريخ بكل أنواعها.
لقد أثبت صمود غزة الاسطوري المستند في جذوره الى روح القرآن ووحي الاسلام الخالد ، ان الحق سيعود لأصحابه مهما امتد الزمن، وقد انعكس سلوك الصمود هذا في وجوه عدة تثبت هزيمة المحتل الاسرائيلي الغاشم، فقد تخلخلت التجارة الاسرائيلية وتوقف اغلبها، وتحقق انهيار وشلل تام في البورصة، مع موت عمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وأعمال البناء وتوسيع المستوطنات التي كانت تمثل تهديدا صارخا للوجود الفلسطيني، ، اضافة الى توقف الزراعة والصناعة التي كان يتشدق ويفتخر بها الكيان الغاصب، كما ان عامي صمود غزة بوجه الابادة الوحشية الاسرائيلية سبب توقف معظم المطارات والقطارات الاسرائيلية عن الحركة ، ونتج عن ذلك أيضا تفاقم تكاليف إيواء الفارين إلى الملاجئ خوفا من ردود فعل المقاومة الفلسطينية الباسلة، مع عدم تجاهل الدمار الذي خلفته صواريخ المقاومة في المؤسسات والشوارع والسيارات والمصانع وآلة الحرب الوحشية الاسرائيلية.
بل أصبح مألوفا جدا شيوع عبارة: نحن من أشعلنا هذه الحرب وأوقدنا نارها، لكننا لسنا من يتحكم بها، في المجتمع الاسرائيلي الذي يسير نحو تفككه وانهياره، وفي المقابل ربحت غزة والمقاومة الفلسطينية الباسلة الكثير جدا من التعاطف العالمي ومن طرق واساليب النصرة لهم خلال عامين من حرب ارادتها اسرائيل محواً لغزة من الخريطة، واثبت الواقع ان غزة صورة مشرقة طبعت في قلوب العالم أجمع.