صحيفة ووكالة
الإخبارية المستقلة
الثلاثاء 2025/10/21 توقيت بغداد
معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين
هل يصّح فصل الإسلام عن السياسة ؟


المشاهدات 1029
تاريخ الإضافة 2025/10/19 - 8:32 AM
آخر تحديث 2025/10/21 - 10:05 AM

هل يصّح فصل الإسلام عن السياسة ؟

د. عبد الهادي الزيدي

إذا كان الحديث في دعوة فصل الدين عن السياسة يقصد به كل دين ، فهذا ليس مجالنا هنا ، ما يعنينا إيضاح وجهة نظر الإسلام في السياسة وعلاقته بالعمل السياسي وأهدافه وتفاصيله. وإذا كانت السياسة هي فن الممكن في خدمة الناس ورعاية شؤونهم ، فان السياسة في الإسلام هي حسن إدارة شؤون الناس ورعاية شؤونهم ، وهي مسؤولية كبرى في النظم الحديثة يحاسب عليها أمام الشعب من يقصر فيها وهي في الإسلام أمانة يحاسب على سوء أدائها من يتولاها فلا يحسنها فيعزل عنها في الدنيا ويحاسب، وله في الآخرة حساب آخر، لا يفلت منه رغم عقاب الشعب له ،وفي مثل هذا يلتقي الإسلام بالسياسة لقاءا قويا ،فأي فصل غير مدروس ننادي به ؟ 

ولنستمع إلى   خطاب القرآن في قوله تعالى:(( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين .../ الإسراء –  9)) .  ومن هدايته وجوب الحكم بما انزل الله: (( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون / يوسف 40 )) . وإذ نتأمل دعوة الفصل تلك نلاحظ أن من شعاراتها : تحقيق العدالة والانتقال السلمي للسلطة واحترام كل الآراء ما لم يكن فيها هدم لكيان الأمة وتحقيق التكافل الاجتماعي ورفض التمييز على أساس الاختلاف بين الناس في الدين أو المذهب أو العرق وغيرها من أهداف سامية يفخر كل إنسان بالمطالبة بها . وهنا نسأل : ألم ينادي القرآن بكل هذا وأكثر ؟ وهل أغفل الإسلام في مصدريه : القرآن ثم السنة النبوية المطهرة هذه الأهداف ؟ ثم أي نص فيهما طالب أو دعا إلى   غير ذلك ؟ 

فقوله تعالى عن وجوب الحكم بما شرعه في قرآنه يتضمن عموم ذلك كله ، وهو في مجموعه لا يخرج مطلقا عن كل تفاصيل النداءات الحديثة في العدل والحرية وحقوق الإنسان . ولكي ندلل على ذلك نذّكر بتوجيه الله تعالى في إحقاق العدل : (( وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل / النساء 58  ))  ودعا القرآن إلى   حسن الخلق مما أغفلته الكثير من التشريعات الحديثة، في دعوة لرعاية المحتاجين والفقراء وكفالتهم اجتماعيا، والحث على التسامح والعفو عن المسيء وضبط النفس عند التعرض لإساءة، وحرّم القرآن الاعتداء على حياة الأبرياء وأعراض الناس مما لا تقبله اعتقادا وسلوكا أية نفس سوية : (( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون / الفرقان 68)). كما دعا الإنسان المسيء إلى الإقلاع عن فعله وشجعه على الإستقامة : (( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون / آل عمران 135 )) .  فالآية تؤكد منح الفرصة لمن يريد ان يعود لخدمة مجتمعه ، والتعاون مع غيره على البناء والإبداع : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب / النحل من الآية 128 )) . ثم وجه القرآن الناس إلى   نبذ الخلافات وإبداء الصلح بين أبناء المجتمع :  (( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون / الحج 22 )) . وغيرها الكثير من الآيات القرآنية التي رسمت منهجا تربويا متقدما لإنسان يعي دوره في الحياة منطلقة من الخاص إلى   العام ، من الفرد إلى   المجتمع، فأيُ فصل بين الاسلام والحياة ما ينادون به؟.


تابعنا على
تصميم وتطوير