رصيف الكلمات..الى الذين ابتعدوا عن الحق
د. عبد الهادي محمود
لا أعتقد إن مفردة النصر غامضة الى هذا الحد الذي يدفع ببعض الناس ممن يجيدون التحامل على كل ما هو لنا، أقصد من الحقوق العربية والاسلامية: أن يلقوا بغضبهم وشكوكهم على كل ما يحدث من مواقف وأحداث هي في ميادين المنطق نصر وتألق وثبات، وآخرها ما حدث من نهاية (مؤقتة) لحرب غزة الضارية التي رضخ فيها العدو الصهيوني الى شروط الفلسطيني المنتصر وتخلى اخيراً عن حلمه الشرير بمحو غزة من الأرض وابادة الفلسطينيين والقضاء على المقاومة الإسلامية.
هؤلاء قالوا: إنه ليس نصر وثبات بمعنى النصر ما دام هناك دم وضحايا وتدمير لمدينة غزة، وانه ليس مما نفخر به ما دام تحقق بالعنف والقوة والسلاح ... وغير ذلك من شكوك وزوابع صيف لا تؤثر ولا تغني عقلاً أو منطقاً أو تعزز فكراً... ولمثل هؤلاء نقول: انظروا بعقول أوسع من التي في رؤوسكم وبعيون أجلى من التي تضيقّونها عمداً أو تجاهلاً، لتدركوا إن قيمة النصر هي بالثبات على المبدأ وتحقيق الهدف وعدم التنازل عن ثوابتك ما دمت انساناً صاحب مبدأ وعقيدة، وعلى هؤلاء عتب كبير في إنهم بدلاً من محاسبة القاتل الجاني ألقوا بلومهم وشكوكهم على المقتول المجني عليه: (فإسرائيل) هي التي دمرت وقتلت، هي التي أراقت الدماء البريئة من الناس العزل، هي التي ارتكبت الابادة الجماعية والتطهير العرقي، هي التي رفضت منذ الأيام الأولى للحرب مبدأ التفاوض والسلام والجلوس على طاولة المفاوضات، هي التي عارضت القرارات الدولية وضربت بالأعراف الدولية والانسانية في وجه جدار ما زال الكثيرون لم يروه أو يغمضون عيونهم تجاهه!... وفي هذا التصور خيانة كبيرة للنفس والحقيقة: في أن نغفل عن الظالم ونلوم المظلوم.
ولأن هؤلاء يحبون (السلام المائع) ويرفضون (العنف الملون بالخداع) فقد وضعوا أنفسهم في دائرة بعيدة عن المنطق والصواب والحقيقة، فالصهاينة احتلوا فلسطين بقوة السلاح لا بأغصان زيتون، وأشاعوا العنف والقتل والدمار منذ أن وطئت أقدامهم المحتلة أرضا ليست لهم، وزوّروا تأريخاً هو ليس من حقهم، وشرّدوا شعباً بتدمير وطنهم وبيوتهم، وهذا كله ليس عنفا ودماً بنظر هؤلاء، بل يبدو لهم سلاماً وأمناً حين يطرد المحتل صاحب الأرض ليبني (مستعمرة) له، وحين يستخدم أسلحة محرمة دولياً لإبادة شعب شبه أعزل، وحين يكمم الأفواه ويمنع حرية الرأي والإعلام...
و(لهؤلاء) الذين هم (هؤلاء) فعلاً في الميل الى الاستسلام لا السلام، والى الهوى بدلاً من المنطق والى الصدق بدلاً الباطل نقول لهم: إن الوصول الى السلام من باب القوة هو منطق وحقيقة واردة ما دام العدو مصرّا على باطله وظلمه، وإن الدم والتضحيات والقوة هي مفردات ناصعة للحصول على الحق، وأن نبذل دماً ونعكر صفو (السلام المائع) هو سبيل مقبول تماماً، فما اٌخذ بالقوة لن يرجع الاّ بالقوة!!