صحيفة ووكالة
الإخبارية المستقلة
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين
مايكروسوفت .. قفل الكمبيوتر من الهاتف عن بعد Sawt-Alqalam.com صراع على رئاسة الاتحاد العراقي.. 3 مرشحين يتنافسون على الدورة الجديدة Sawt-Alqalam.com روسيا: أميركا وبريطانيا تبحثان استبدال زيلينسكي وترشحان زالوجني بديلاً Sawt-Alqalam.com ارتفاع  حصيلة  ضحايا العدوان الى أكثر من 60 ألف شهيد  ..حكومة غزة: العدو الإسرائيلي يمنع دخول الصحافة العالمية خشية انكشاف جرائمه Sawt-Alqalam.com بريطانيا تحدد موعداً للاعتراف بدولة فلسطين..السعودية : اعتماد الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين Sawt-Alqalam.com أصدر قرارات شملت الإيزيديين وعمولات الجباية.. مجلس الوزراء: نسبة الإنجاز الكلّية لمُجمل مستهدفات البرنامج الحكومي بلغت 83% Sawt-Alqalam.com الداخلية تنفي وجود عمليات تهريب سلاح عبر الحدود العراقية السورية Sawt-Alqalam.com هيئة النزاهة: انضمام العراق إلى الرابطة الدولية لسلطات مكافحة الفساد Sawt-Alqalam.com محكمة ألمانية ترفض طلب لجوء عائلة إيزيدية بعد ترحيلها إلى العراق Sawt-Alqalam.com العدد 118 في 30-7-2025 Sawt-Alqalam.com
في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ


المشاهدات 1088
تاريخ الإضافة 2025/07/03 - 1:29 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 3:36 AM

في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ

مظهر محمد صالح

 

غادرت المطار متجهًا إلى قلب العاصمة القديمة، المدينة التي كانت يومًا ما مركز القرار في هذا البلد الإفريقي الكبير، والمطلة على خليج غينيا الاستوائي، حيث تتزاحم الطبيعة بجمالها الساحر: غابات كثيفة، وسماء رطبة، وأرض مشبعة بالحياة.

لكن هذا السحر لا يلبث أن يخبو أمام وطأة الرطوبة العالية، وتحذيرات لا تنتهي من تفشي السرقة… أو حتى من زاحف مسالم، يشبه التمساح لكنه أصغر حجمًا، يتسلل بين الأقدام بكثافة غريبة، ويُدعى ببساطة: “نام”.

لم يكن “نام” مجرد اسمٍ لسحلية، بل تحوّل فورًا إلى رمزٍ محمّل بالدلالات ، فمنذ لحظة وصولي إلى باحة المطار، لاحظت أن غالبية من في المكان — في الحافلات، الأرصفة، صالات الانتظار — كانوا في غفوة جماعية ،حتى السائقون، والمسافرون، والعاملون… بدا كأن النوم اجتاح المدينة دون سابق إنذار.

سألت مرافقي الشاب الداكن السمرة عن ذلك الحيوان الابيض الصغير الذي يتجول بين الأرجل بلا خوف، فقال مبتسمًا: “اسمه نام”.

اختلطت عليّ الصورة: شعب نائم، وسحلية يقظة… تحمل الاسم ذاته لفعل النوم.

قلت له مازحًا: ومن هو اليقظ في هذه المدينة العظيمة؟

فأجابني، بنبرة نصفها سخرية ونصفها أسى:

السُرّاق وحدهم لا ينامون هنا… فهم على درجة من الابتكار في الحيلة لم يعرفها تاريخ القارة الإفريقية.”

يا لها من مفارقة..مدينة مكتظة بالبشر، لكنها تغفو بعمق ،وحدهم اللصوص وسحليات “نام” يتحركون بيقظة حادة، وحضور دائم.

في اليوم التالي، وقبل أن أنهض من نومي في الفندق، رغبت في مشاهدة خضرة إفريقيا عبر نافذة غرفتي. وما إن فتحت الستارة حتى فوجئت بسحلية “نام” ملتصقة بزجاج النافذة، تتأملني بعينين جامدتين.

أغلقت الستارة فورًا، وجلست أتأمل رمزية المشهد:

كائن يقظ، يراقب إنسانًا نائمًا.

في طريقي إلى وزارة المالية التي ترقد في نصف غابة خضراء ، ولكن لابد من ان اسلك شوارع تتزاحم فيها سحليات “نام” كما لو كانت كلابًا حارسة ، ولكن دون نباح. اقتربت من المبنى، فوجدت السائقين داخل سياراتهم وقد أخذهم النوم عن العالم، وكأنهم في سبات جماعي رسمي.

أما داخل تلك الوزارة الافريقية الشامخة ، فكان الوضع مشابهاً؛ معظم الموظفين في غفوة صامتة، عدا قلة ربما كانت يقظتها من النوع الحذر… أو المرتبط بالمال.

عدت من الاجتماع وأنا أطرح على نفسي سؤالاً يتكرر:

لماذا يغفو هذا الشعب خارج وقت النوم، ويترك اليقظة لسحلية؟

سألت أحد الحاضرين — وقد قدّم نفسه على أنه اقتصادي متخرج من جامعة بريطانية — عن هذا المشهد المتكرر، فأجابني بهدوء التكنوقراط :

النوم هنا لم يعد مجرد راحة، بل انسحاب سلبي من الواقع..!!

ضغط الحياة، البطالة، الفقر، الحرارة الخانقة، انقطاع الكهرباء، الضوضاء، والبعوض… كلها تدفع الناس إلى النوم، لا للراحة، بل للهروب.”

ثم أردف:

أعمالهم موسمية أو متقطعة. لا دوام ثابت، ولا طلب دائم على خدماتهم. فينتظرون، ويغفون… في انتظار الفرصة التي قد لا تأتي.”

فقلت له:

في هذا البلد النفطي ، يبدو أن هناك إيقاعًا مرنًا بين النوم والعمل… بين اليقظة والسرقة… بين البشر والسحالي “نام”… ابتسم الرجل بصمت اسمر …!!

إنها حياة يصعب فهمها… في بلد شديد التنوع والانقسام، لكن تجمعه مفارقة واحدة: أن الكائن الوحيد المتأهب، المتحرك، المتربص… هو هذا الزاحف الصغير… “نام”.

هكذا بدت لي تلك البلاد النفطية التي ظننتها ستغدو نموذجًا للتنمية واليقظة، فإذا بها تنام، لا على وسادة من حرير، بل على هشيم الإهمال وتراكم الفقر.

فيها لا تصحو إلا الغرائز… سحلية ترقبك دون أن تغمض جفنًا، ولصّ لا يرتاح إلا حين يقتنص شيئًا من تعب الناس أو غفلتهم.

غادرت العاصمة في القارة السوداء وفي خاطري سؤال مؤلم:

هل يمكن أن تكون “اليقظة” في عالمنا العربي والإفريقي مجرد امتياز للكائنات الصامتة، بينما يرزح الإنسان تحت قيد “النوم الوجودي”؟

وفي ذهني ظل يرنّ صوت الجواهري الجريح:

نامي جياعَ الشعبِ نامي

حرّستكِ آلهةُ الطعامِ

نامي فإن لم تشبعي

من يقظةٍ… فمِنَ المنامِ!


تابعنا على
تصميم وتطوير