في المرآة
الحسـين.. مدرسة الشهادة والتضحية
يحيى الزيدي
تهيأت للإمام الحسين (عليه السلام) ورضي الله عنه وأرضاه بيئة ونسب لم يحظ أحد بهما لا قبله ولا بعده، عدا أخيه الإمام الحسن (ع).. والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ووالدته فاطمة الزهراء (ع)، وهو أطهر حضن وأشرف بيت في العرب، وجده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نبي الرحمة، خاتم الانبياء والمرسلين، معلم الإنسانية ومربي البشرية، أشرف الأنبياء.
في هذا البيت النبوي العظيم تربى سيدنا الحسين، ورضع أخلاق النبوة وشب على مبادئ الرسالة الإسلامية.
ان ذكرى استشهاد سيدنا الإمام الحسين، من أعظم الذكريات في التاريخ الاسلامي .
قتل مظلوماً شهيداً.. وأما من قتله، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
نعم ..الحسين منهج ومدرسة لـ«الشهادة والتضحية»، ومثال للدفاع عن الحق، والاستماتة من أجل إحقاقه، التزاما بالحقيقة ودفاعاً عنها في وجه الجبروت والظلم والطغيان.
إن المآسي التي وقعت على سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) تثير مشاعر الانسانية أجمع، وكل منا يستشعر في ذاته التعاطف والانجذاب إلى هذه الشخصية العظيمة، التي غيّرت مجرى التاريخ، وبقيت درسا عميقا حاضراً في نفوس الاجيال.. جيلا بعد جيل، ومدرسة شامخة للتضحية والثبات.
والحسين (ع) من الشخصيات الفذة والكبيرة في تاريخ الأمة الاسلامية، وثورته هي ثورة ضد الظلم من أجل الاصلاح والانسانية، ولم يكن طالباً للسلطة أو باحثاً عن منصب، أو مجد شخصي، أو مغنم دنيوي.. انما كان يريد إصلاح أمة جده رسولنا الكريم محمد «صلى الله عليه وآله وسلم».
يقول رسولنا الكريم محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم): «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
وهذه المناسبة الأليمة يذكرها الذاكرون ويسجلها المؤرخون بمداد من الفخر والعزة، فاستشهاد سيدنا الحسين هو مثال عظيم وكبير للقوة والتضحية، والدفاع عن الحق، والاستماتة من اجل إحقاقه.
قال رسول (صلى الله عليه وسلم): «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وقيل إن رسول الله (عليه الصلاة والسلام) أخذ بيد الحسن والحسين، فقال: من أحبني وأحب هذين (الحسن والحسين) وأباهما وأمهما، فهو معي في درجتي يوم القيامة.
أما من اقوال سيدنا الامام الحسين: «الْأَمِينُ آمِنٌ، وَالْبَرِيءُ جَرِيءٌ، وَالْخَائِنُ خَائِفٌ، وَالْمُسِيءُ مُسْتَوْحِشٌ».. والذي يتمعن في هذه المقولة العظيمة يجد في كل كلمة منها منهجا عظيما، ومعنى كبيرا ومؤثرا.
هنا أقول.. إن السيرعلى نهج سيدنا الحسين (ع) ليس رياء وادعاء، بل هو تضحية وفداء، وطريق للعدل والمساواة والصواب ، ولا يمكن أن يكون غير ذلك.
إن واقعة كربلاء الأليمة تركت تأثيراً بليغاً على أفكار الإنسان، ليس للمسلمين فحسب، بل حتى غير المسلمين منهم.. فعظمة الثورة وذروة التضحية، والصفات الأخرى التي يتحلى بها الحسين (ع) وأنصاره أدّت إلى عرض الكثير من الآراء حول هذه الثورة العظيمة، لاسيما أن بعض الكتاب غير المسلمين كتبوا عن هذه الواقعة.
فقد ذكره المهاتاما غاندي في قوله : «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر» و«لقد قرأت بدقّة حياة الحسين الشهيد العظيم، واهتممتُ اهتماماً كافياً بتأريخ واقعة كربلاء، واتّضح لي أنّ الهند إذا أرادت أن تنتصر، فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين عليه السلام».
أما جبران خليل جبران- فيلسوف وأديب لبناني قال : «لم أجد إنساناً كالحسين سجّل مجد البشرية بدمائه».
وكتب عباس محمود العقاد- الكاتب والأديب المصري عنه : «ثورة الحسين واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ، لم يظهر نظير لها حتى الآن في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية.. فلم تدم الدولة الأموية بعدها حتى بقدر عمر الإنسان الطبيعي، ولم يمضِ من تاريخ ثورة الحسين حتّى سقوطها أكثر من ستين سنة ونيّف».
أما عالم الآثار الانكليزي وليم لوفتس فقد أثنى على هذه الشخصية العظيمة بقوله : (لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة).
وفي الختام أقول: هنيئا لسيدنا الحسين (ع) الشهادة في سبيل الله.. وهنيئا له هذه المنزلة الكبيرة في الدنيا والآخرة، وهنيئا لمن سار على نهجه الصحيح واقتفى أثره.