في ظل تفشي المجاعة في القطاع جراء إغلاق المعابر
صحفيو غزة ينتفضون.. لا للجوع - لا للصمت - لا للخذلان - لا لغلاء الأسعار والاستغلال
غزة / متابعة صوت القلم:
نظم عدد من الصحفيين الفلسطينيين وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس التشريعي تنديدا بسياسة التجويع المفروضة على أهالي قطاع غزة، رافعين شعارات "لا للجوع، لا للصمت، لا للخذلان، لا لغلاء الأسعار والاستغلال".
وتأتي الوقفة الاحتجاجية في ظل تفشي المجاعة في قطاع غزة جراء إغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي ومنع دخول المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، وفي ظل واقعٍ موجع تتفاقم فيه المعاناة، وتُحاصر غزة ليس فقط بالقنابل، بل بالجوع وغلاء الأسعار وتضييق سبل الحياة.
ويخرج الصحفيون بعد شهور طويلة من التغطية الميدانية المحفوفة بالمخاطر والتي تعرضوا خلالها لمختلف أشكال الاستهداف الإسرائيلي، سواء بالقصف المباشر وقتل 229 منهم، أو بتدمير مقارهم ومعداتهم، منطلقين باسم كل من أنهكه الجوع وأرهقه القهر، وباسم من يصرخون بصمت من الألم والجوع.
وفي مشهد يختلط فيه الغضب بالحزن، استنكر الصحفيون الصمت الدولي تجاه سياسة التجويع الممنهجة التي تُفرَض على أكثر من مليوني إنسان في القطاع، في ظل الحصار والحرب، وغياب حلول حقيقية لمأساة ممتدة منذ شهور، في رسالة واضحة ضد كل الأطراف المتسببة أو المتقاعسة عن وقف هذه الكارثة الإنسانية.
وقررت الوجوه التي اعتادت على نقل أخبار الضحايا، هذه المرة أن تكون هي الخبر، إذ إنها لم تحمل الكاميرات لتغطية مشهد، بل حملت قهراً وغضباً، وصرخة باسم شعب أنهكه الجوع، ودفع أثمان الحرب والحصار والتواطؤ معا، وهتفوا ضد سياسة ترك الناس تموت بصمت، ضد تسعيرات السوق السوداء، وضد المتاجرة بحاجات الناس الأساسية من طعام وماء ودواء.
ويقول الصحفي أيمن أبو شنب أحد المشاركين في الوقفة إن "الوضع تجاوز حدود الاحتمال، والسكوت جريمة، أطفالنا ينامون بلا طعام، ونحن نغطي المجازر ثم نعود لبيوت خاوية، ومخازن المساعدات تنهب علنا دون رقيب”.
ويبين أبو شنب لـ"العربي الجديد" أن الوقفة تأتي وسط تصاعد أزمة المجاعة في غزة، مع انعدام السلع الأساسية، وارتفاع أسعار كل ما بقي منها بشكل خيالي، في ظل عجز مؤسساتي داخلي، وتخاذل دولي مخزٍ.
ويشدد على أن الكلمة لن تبقى صامتة، وأن الصحفيين الذين عاشوا في خندق الحقيقة طوال الحرب، لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يرون شعبهم يدفن جوعا بعد أن دفن تحت الركام.
بدوره، يبين مراسل التلفزيون الصيني أسامة العشي أن الصحفيين خرجوا ضد الجوع والموت، حيث بات الاحتلال الإسرائيلي يمارس مختلف جرائم القتل والتجويع، في الوقت الذي يقوم فيه باستهداف المجوعين خلال رحلتهم القاسية للحصول على الطعام.
ويلفت العشي بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن المجاعة تسببت في فوضى متزايدة يوما بعد الآخر، ويقول: "نخرج في اليوم الـ652 للعدوان لنعلي صوتنا أمام العالم من أجل إيقاف الحرب والموت والجوع الذي بات يفتك ببطون مختلف شرائح ومكونات الشعب الفلسطيني في غزة".
ويبين العشي الذي لم يغادر مدينة غزة مع النازحين نحو المحافظات الجنوبية الفرق الكبير بين المجاعة الحالية والمجاعة التي ضربت مدينة غزة في بداية الحرب، حيث كان المواطن الجائع يمتلك خيارا للنزوح جنوبا للحصول على الطعام، فيما لا يمتلك حاليا أي خيار سوى التوجه لمصائد الموت، التي يدعي الاحتلال أنها مناطق خاصة بالمساعدات الإنسانية.
في الإطار، يوضح الصحفي هاني أبو رزق مراسل صحيفة الحياة الجديدة أنه شارك في الوقفة الاحتجاجية دون أن يتمكن من تناول أي وجبة طعام من الصباح بفعل اشتداد الأزمة ونفاد الطعام والمواد الغذائية، إلى جانب الغلاء الجنوني في أسعار الكميات الشحيحة المتوفرة.
ويبين أبو رزق لـ"العربي الجديد" أن الوقفة تمثل رفضا للحرب والغلاء والتجويع والقتل، مضيفا: "جئنا لنصرخ ضد الجوع والغلاء، وضد التجار المحتكرين لأصناف البضائع الأساسية، وقد باتوا شركاء للاحتلال الإسرائيلي في هذه الحرب التي لم تفرق بين صحفي أو مواطن أو طفل".
ويقول أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين عاهد فروانة إن الوقفة تأتي في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل عام والصحفيين والصحفيات على وجه التحديد، والذين يعانون أشد المعاناة بفعل استمرار القصف وحالة النزوح ويضاف لها الآن حالة المجاعة التي باتت تفتك بالجميع.
ويوضح فروانة لـ"العربي الجديد" أن الصحافي الفلسطيني لم يعد قادرا على توفير أبسط مقومات الحياة لأسرته وفي مقدمتها الطعام، مضيفا: "نقف هنا لنوصل صوتنا للعالم أجمع بأننا نموت جوعا وقهرا وقصفا".
ويضيف: "الصحفي الذي يعتبر منارة الحقيقة وإيصال صوت المظلومين والمقهورين يمر في ظروف قاسية للغاية، وقد خرج اليوم ليوصل معاناته الشخصية مع الجوع والموت البطيء كما نقل رسائل الإبادة والقصف والممارسات الإسرائيلية الممنهجة بحق أبناء شعبه منذ بداية العدوان".
ويلفت فروانة إلى الأوضاع الكارثية وغير المسبوقة من حيث تفاقم حدة المجاعة وفقدان البضائع والمستلزمات المعيشية والارتفاع الجنوني في الأسعار، بالتزامن مع اختفاء السيولة والزيادة المهولة في نسب العمولة على صرف المبالغ النقدية، مبينا أنها عوامل تزيد من تعقيد الحياة المعقدة أصلا بفعل تواصل المقتلة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
ويتابع: "الوقفة بمثابة الصرخة التي يطلقها الصحفيون بأنهم أصبحوا يموتون بفعل الاستهداف والنقص، وقد جاءت بالتزامن مع تضاعف الأسعار وفقدان السيولة، ما يجعل توفير أبسط المستلزمات المعيشية الأساسية أمرا مستحيلا"، داعيا جميع الجهات المعنية للضغط من أجل وقف الحرب والسماح بدخول البضائع والمساعدات الإنسانية لإنقاذ أبناء الشعب الفلسطيني من الموت قصفا أو جوعا.