غزة وقلب البحر ...
د. عبد الهادي محمود الزيدي
مع تصاعد حدة العدوان الصهيوني على غزة والايغال المفرط في القتل جوعاً لشعب تركه الجيران والعالم لماكنة الحقد الصهيوني المبرمج، تطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي بصور وتسجيلات مرئية لأفراد من مصر وغيرها من دول الجوار الفلسطيني وهو يحلمون (ويعملون) على فك هذا الحصار الوحشي من دون أن يجرؤا طبعاً على انتقاد حكوماتهم التي أغلقت الحدود أو التي تجاهلت صرخات الجياع...
يحلم هؤلاء –البسطاء- بأنهم لو امتلكوا أجنحة لطاروا بها الى أزقة وبيوت غزة المدمرة حاملين معهم رغيف خبز، وأما (عملهم) فهو أبسط من ذلك بكثير عندما عمدوا الى اختيار حبيبات رز أو حفنة طعام كيفما كان، ووضعوه في عبوات بلاستكية صغيرة ثم رموا به الى عمق البحر الفاصل لغزة عن العالم، عسى أن يفي البحر برسالته فيوصل تلك القناني الى هؤلاء الجوعى، ذلك البحر الذي يعني الحياة كلها عندما يكون الطرف الآخر من البشر وليس بني صهيون.
مأساة مضحكة مبكية أن يرتهن مستقبل شعب محاصر أعزل بموجات البحر التي قد توصل بعض قناني الطعام أو قد لا توصلها أبداَ.
مأساة ساخرة حزينة حين يعلّق انسان مسعف لأخيه الانسان الجائع كل آماله بموجات بحر غير واعية لما يحدث.
وهي فاجعة تؤشر في عصر التكنلوجيا والمعلومات والذكاء الاصطناعي حين نحصر حياة ومستقبل بشر في عملية قذف قنان في المجهول.
ومن جهة اخرى: أي قلب مفجوع هذا الذي ينتظر رسالة من البحر المخيف حاملة بعض ما يسعف جائعاً؟ وأي فكر هذا الذي أعياه التعب فلم يجد رفيقا او صديقا سوى موجات بحر متلاطم الملامح؟ بل أي عالم وحشي نعيشه اليوم بكل حواسنا ونحن نرى الموت يحيط بشعب محاصر ولا نجرؤ نحن حتى على الكلام أو الايماء؟
البحر هنا أصبح صديقاً، والبحر في حالتنا هذه عصبة أمم أو حقوق انسان جائع أو حتى مجلس أمن غير معلن، ناهيك عن جامعة عربية أو روابط لم تعد تعمل، بل كلها مزيفة: كالأخوة والجيران ونسب الدم والدين والقومية... ولعلنا نكتشف بعد فترة وجيزة حين يسقط مئات أو آلاف أخرى من البشر موتى من الجوع أن قلب البحر أرحم بكثير من ملايين البشر الذين يغلقون أفواههم على أبشع جريمة في التاريخ.